الخِطبـــــــــــــــــة والخُلوه
قال الغزالي في الأحيــــــاء :
ولايستوصفُ فِي أخلاقها وجمالها إلا مَن هو بصيرُ صادِق ، خبيرُ بالظاهر والباطِن ، ولايميل إليها فَيُفرِط في الثناء ،
ولا يحسِدها فَيُقصِر ، فالطباع ماثِلة في مبادئ الزواج ، ووصف المزوجات إلي الإفراط أو التفريط ،
وقَلَ مَن يَصدُقُ فيهِ ويقتَصِد ، بل الخِداع والإِغراء أغلب ، والإحتياط فيه مُهم لمن يخشي علي نفسِه التَشُوف إلي غير زوجته ).
حَظـــــــــرُ الخُلــــوة بالمَخطـــــــوبة : يَحرُم الخُلُو بالمخطوبة ، لأَنهَا مُحرَمة علي الخاطِب حتي يعقِد عليها ، ولم يَرِد الشرع بغير النظر ،
فبقيت علي التحريم ، ولأنه لايَأمَن مَعَ الخُلوة مواقعة مانهي اللهُ عنه ، فإذا وُجُد مُحرِمُ جازت الخُلوة ، لامتناع وقوع المعصية
مع حضوره ، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلاَيَخلوُنَ بإمرأة ليس
معها ذُوُ مُحرِم ، فإنَ ثَالِثَهُماَ الشيطان ) وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
( لاَيخلُون رجل بإمرأة لاَتَحِلُ لهُ ، فإن ثالِثهُما الشيطان ، إلا لِمَحرَم ) رواهما أحمد .
خطـــــــــــــر التهَاون في الخُلوة وضَرَرُه : دَرَجَ كثيرُ من الناس علي التهاون في هذا الشأن ، فأباح لابنته أو أُخته
أن تُخالِط خطيبها وتخلو معهُ دون رِقابة ، وتذهب معهُ حيثُ يُريد من غير إشراف أو توجيه ، وقد نتج عن ذلك
أن تعرضت البنت إلي ضياع شَرَفَهَا وفساد عفَافَهَا وإِهدَار كرامتها ، وقد لايتمُ الزواج فتكون قد أضافت
إلي ذلك فوات الزواج منها ،، وعلي النقيض من ذلك طائفة جامدة لاتسمح للخاطِب أن يري بناتِهن بعد الخِطبة
وتأبي إلا أن يرضي بِها ويعقد عليها ولايراها إلا ليلة الزِفاف .
العـــــــــــــــدول عن الخِطبة وأثرُه :
مُقدِمة تَسبِق عقد الزفاف ، وكثيراً مايعقُبهَا تقديم المهر كُله أو بعضه ، وتقديم هدايا وهِبات
" الشبــــــــــكة " تقويةً للِصِلاَت وتأكيداً للعلاَقة الجديدة . وقد يحدُث أن يعدل الخاطب أو الخطيبة أو هُمَا معاً
عن إتمام العقد ، فهل يجوز ذلك ؟ وهل يُرَد مَا أُعطِيَ للمخطوبة ؟ إن الخِطبة مُجرد وعد بالزواج ، وليست عقداً مُلزِمَاً ،
والعدول عن إنجازه حقُ من الحقوق التي يملِكهَا كُلُ من المتواعِدِين ، ولم يجعل الشارع لإخلاف الوعد عقوبة مادية
يُجاَزيَ بمُقتَاضَها المُخلِف ، وإِن عَدَ ذلِكَ خُلقاً ذميماً ، ووصفه بأنه من صفات المُنَافقين ، إلا إذا كانت هناك ضرورة مُلزِمة
تقتضِي عدم الوفاء ، ففي الصحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ( آية المُنافِق ثلاث : إذا حدث كَذَب ،
وإذا وعدَ أخلف ، وإذا أؤتمِن خان ) . ولما حضرت الوفاة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال " إنظروا فُلاَناً -
لرجلٍ من قًُريش ، فإني قلت له في إبنتي قولاً كَشِبِه العِدة ، وما أحبُ أن ألقي الله بِثُلثِ النِفَاق ، وأشهِدِكُم أنيِ قد زوجتُه ".
وما قدمه الخاطِب من المهر فلهُ الحقُ في إِستِرداده ، لأنه دُفِع في مُقابِل الزواج الذي لم يتم فإن المهر لايُستَحَق شئ منه ،
ويجب رَدُه إلي صاحبه ، إذ أنه حقُ خالِص له ، وأما الهدايا فحُكمُها حُكم الهِبة ، والصحيح أن الهِبة لايصِح الرجوع فيها
إذا كانت تبرعاً محضاً لا لأجل العوض وفي هذا مارواه أصحاب السُنن .
1- عن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ( لايجوز لرجُلٍ أن يُعطِي عطيِةً ،
أو يهب هِبةً فيرجِعُ فيِهَا إلا الوالِد يُعطِ وَلدهُ) .
2- وروا أيضاً أنَ رسولَ الله صَلي الله عليه وسلم قال Sad العَائد فيِ هِبَتُه كَالعائدُ فِيِ قِيئِه)
3- وعن سالِم عَن أبيه أنَ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ( من وَهَبَ هِبةً فهوَ أحقُ بِها مالم يُثَب مِنها )
أي يُعوض عنهاَ .
رأيُ الفُقَهـــــــــــــاء : 1- مايُقُدَم مِن الخَاطِب لمخطُوبته ، مما لا يكون محلاً لورود العقد عليه ، يُعتَبر هَدية .
2- الهدية كَالهبــــــــــة حُكمَاً ومعني .
3- الهِبة عقدُ تمليك يَتِمَ بالقبض ، وللموهوب له أن يتصرف في العين الموهوبة بالبيع والشِراء وغيرُه ، ويكون تَصرُفهُ نافِذاً .
4- هلاكُ العين أو إستهلاكُها مانِعُ مِن الرجوع في الهِبة .
5- ليس للواهِب إلا طلب ردُ العين إن كَانت قائمة .
وللمالكية في ذلِك تفصيل بين أن يكون العدول من جِهتَه أو جِهَتَهَا ، فإن كانَ العدول من جِهَته فلاَ رجوعَ لهُ فيما أهداه ،
وإن كان العدولُ مِن جِهَتِها فلهُ الرجوع في كُل ما أهداه سواء أكان باقياً علي حالِه أو كان قد هلك ويجب العمل به ،
وعِندَ الشافعية :تُرَدُ سواء أكانت باقية أم هالِكة ، فإن كَانت قائمة رُدَت هِيَ ذاتِهَا وإلا رُدَت قيِمَتُها .
وهذا المذهبُ قريبُ ممِا إرتضيناه.