الحقـــــوق الــــــــزوجية واقسامها والمشترك منها
إذا وقع العقدُ صحيحاً نافِذَاً ترتَبت عليه آثاره ، ووجبت بمُقتضاه الحقوق الزوجية وهذه الحقوق ثلاثة أقســـــــــام :
1- منها حقوق واجبة للزوجة علي زوجهــــــــــــــــــا .
2- ومنها حقوق واجبة للزوج علي زوجتــــــــــــــــــــــه .
3- ومنها حقوق مُشتَركَة بينهُمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا .
وقيام كل من الزوجين بواجبه والإضطلاع بمسؤلياته يوفر أسباب الإطمئنان ، والهدوء النفسي ،
وبذلك تتم السعادة الزوجية ، وفيما يلي بيان تفصيلي وبيان بعض هذه الحقــــــــــوق :
( الحقــــوق المُشتركة بين الزوجــــين )
1- حِلُ العِشرة الزوجية واستمتاع كُلٍ من الزوجين بالآخر : وهذا الحِل مشترك بينهُما ،فيحِل للزوج
من زوجته مايَحِل لها منه ، وهذا الإستمتاع حق للزوجين ، ولايحصل إلا بمشاركتهما معاً ، لأنه لايمكن أن ينفرد به أحدهما .
2- حُرمَةُ المُصاهرة : أي أن الزوجة تَحرُمُ علي آباء الزوج ، وأجداده ، وأبناءه ، وفروع أبناءه ،
كما يَحرُمُ هو علي أمهاتها ، وبناتها ، وفروع أبناءها وبناتها .
3- ثبوت التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد : فإذا مات أحدهما بعد إتمام العقد وَرِثهُ الآخر ولو لم يتم الدخول .
4- ثبوت نسب الولد للزوج صاحب الفراش .
5- المُعَاشَرة بالمعروف : فيجب علي كُلٍ من الزوجين أن يُعاشِر الآخر بالمعروف حتي يسودهُما الوئام ،
ويظلهما السلام ، ، قال الله تعالي : ( وَعَاشِرُوهُنّ بِالمَعرُوُفِ ) النساء 19 .
( الحقوق الواجبة للزوجة علي زوجــــــــــها )
1- حقوق مالية : وهي المهر ، والجهاز ، والنفقة .
2- وحقوق غير مالية : مثل العدل بين الزوجات إذا كان متزوجاً بأكثر من واحدة ،
وعدم الإضرار بالزوجة ونذكر ذلك فيما يلي :
( المهــــــــــــــــــر )
من حُسن رعاية الإسلام للمرأة واحترامه لها أن أعطاها حقها في التملُك ،إذ كانت في الجاهلية
مهضومة الحق مهيضة الجناح ، حتي أن وليها كان يتصرف في خالص مالها ، لايدع لها فرصة التملُك ،
ولا يُمكِنّها من التصرف ، فكان أن رفع الإسلام عنها هذا الإصر ، وفرض لها المهر ، وجعله حقاً لها علي الرجل وليس لأبيها ،
ولالأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئاً منها إلا في حال الإختيار والرضا ، قال الله تعالي :
( وَآَتُوُا النِسَاَءَ صَدُقَاتِهِنّ نِحلَةً فَإن طِبنّ لَكُم عَن شَيئٍ مِنهُ نَفسَاً فَكُلُوهُ هَنِيِئَاً مَرِيئَاً ) النساء 4 . أي :
وآتوا النساء مهورهُن عَطَاءً مفروضاً لايقابله عوضُ، فإن أعطين شيئاً من المهر بعدما ملكن من غير إكراه ولا حياء
ولا خديعة فخذوه سائغاً ، لاغُصة فيه ، ولا إثم معه ، فإذا أعطت الزوجة من مالها حياءً ، أو خوفاً ، أو خديعة ،
فلا يحل أخذه ، قال تعالي : ( وإِن أَرَدتُمُ اِستِبدَال زَوجٍ مَكَانَ زَوجٍ وَآَتَيتُم إِحدَاهُنّ قِنطَاَراً فَلاَ تَأخُذُوا مِنهُ شَيئَاً
أَتأخُذُونَهُ بُهتَاَنَاً وَإِثمَاً مُبِيِناً * وَكيفَ تَأخُذُوُنَه وَقَد أََََََََفضَيَ بَعضُكُم إِلَي بَعض وَأَخَذنََ مِنكُم مِيِثَاقَاً غَليِظَا )
النساء 20:21 .
وهذا المهر المفروض للمرأة ، كما أنه يُحقق هذا المعني ، فهو يُطَيب نفس المرأة ويُرضِيها بقوامة الرجل عليها ،
قال تعالي : ( الرّجالُ قَوّامون عَلَيَ النِسَاء بِمَا فَضّلَ اللهُ بَعضَهُم عَليَ بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم ) النساء 34 .
مع مايُضاف إلي ذلك من توثيق الصِلات ، وإيجاد أسباب المودة والرحمة .
( قـــــــــدر المهـــــــــر )
لم تجعل الشريعة حَداً لقلته ولا لكثرته ، إذ أن الناس يختلفون في الغِني والفقر ، ويتفاوتون بين السعة والضيق ،
ولكل جهةٍ عاداتها وتقاليدها ، فتركت التحديد ليُعطي كل واحد علي قدر طاقته ، وحسب حالته ،
وعادات عشيرته ، وكل النصوص جاءت تُشير إلي أن المهر لايُشتَرَط فيه إلا أن يكون شيئاً ذا قيمة ،
بغض النظر عن القِلة والكَثرة ، فيجوز أن يكون خَاتَمَاً ، أو سِواَراً من حديد ، أو قَدحاً من تمر ، أو تعليماً لكتاب الله ،
وماشابه ذلك إذا تراضيَ عنه المُتعاقدان .
1- فعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت علي نعلين ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
( أرضيتي علي نفسك ومالك بنعلين ؟ فقالت : نعم ، فأجازه ) رواه أحمد ،وابن ماجة ، والترمذي وصححه .
2- وعن سهل بن سعد أن النبي صلي الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : ( يارسول الله إني وهبتُ نفسي لك ،
فقامت قياماً طويلاً ، فقام رجلاً فقال : يارسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
هل عندك من شئٍ تَصدقها إياه ؟ فقال : ماعندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم :
إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئاً ، فقال ما أجد شيئاً ، فقال : التمس ولو خَاتَماً من حديد ،
فالتمس فلم يجد شيئاً ، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شئ قال : نعم ، سورة كذا ، وسورة كذا ،
فقال النبي صلي الله عليه وسلم : ( قد زوجتُكما بما معك من القرآن ) . رواه البخاري ، ومسلم وقد جاء
في بعض الروايات الصحيحة ( عَلِمهَا من القرآن ) . وفي رواية أبي هريرة ( أنه قَدّر ذلك بعشرين آية )
3- وعن أنس : ( أن أبا طلحة خطب أم سليم ، فقالت ، والله مامثلك يُرَدُ ، ولكنك كافرُ ، وأنا مسلمةُ ،
ولايَحِل لي أن أتزوجك ، فإن تسلَم فذلك مهري ، ولا أسالك غيرُه ، فكان ذلك مهرها ) .
( كـــــراهة المُغالاة فــي المهــــــــــور )
ومهما يكن من شئ فإن الإسلام يحرص علي إباحة فرص الزواج لأكثر عدد ممكن من الرجال والنساء ،
ليستمتع كُلّ بالحلال الطيب ، ولايتم ذلك إلا إذا كانت وسيلته مُذَلّلةً ، وطريقته مُيسرة ، بحيث يقدر عليه الفقراء
الذين يَجهدهُم بّذل المال الكثير ، ولاَسيَمَا أنهم الأكثرية ، فَكَرَه الإسلام التغالي في المهور ، وأخبر أن المهر كلما
كان قليلاً كان الزواج مُباركاً ، وأن قلة المهر من يُمن المرأة . فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :
( إن أعظم النكاح بركة أيسرهُ مُؤنة ) . وقال : ( يُمن المرأة خِفّةُ مهرها ، ويُسرُ نِكَاحهَا ، وحُسنُ خُلقها ،وشُؤمها
غلاء مهرها ، وَعُسرُ نكاحها ، وسُوءُ خُلُقها ) ، وكثيرُ من الناس جَهَلَ هذه التعاليم ، وحاد عنها ، وتعلق بعادات الجاهلية
من التغالي في المهور ، ورفض التزويج إلا إذا دفع الزوج قدراً كبيراً من المال يُرهقهُ ويُضَايقه ، كأنّ المرأة سِلعة يُساوَم
عليها لمن يدفع أكثر ، ويَتجَر بها ، وقد أدي ذلك إلي كثرة الشكوي ،فاتجه الشباب إلي التجارة في الممنوعات ،
والمُحرَمات ، والسَرِقة ، من أجل الزواج ممن يُحِب ، وأسفاه علي شباب اليوم من المسلمين ، عندما يتقدم لِوَلِيّ محبوبته ،
فيشترط عليه شقة مكونة من علي الأقل 4 غُرَف ، مُشتمِلة علي : نوم ، سُفرة ، صالون ، أنتريه ،
وشَبكَة لاتَقِل عن مائتين جرام من الذهب ، من أين يأتي هؤلاء الشباب بكل هذا ، فضلاً علي أنهم لاعملَ لهم ،
ولقد عاني الناس من أزمة الزواج التي أضرَت بالرجال والنساء علي السواء ، ونتجَ عنها كثير من الشرور والمفاسِد ، وكسدَت سوق الزواج ، وأصبح الحلال أصعب منَالاً من الحرام .
فيَا أُمَة الحبيب المُصطفي إستوصوا خيراً بشبابنا وبناتنا فالبنات ليست سِلعة تُبَاع وتُشتَرَيَ ومن يدري إذا إستيسرتُم
في المهور أن يجعل زواجُ بناتكُم مباَرَكَاً ميمونَاً ويجعل الله سُبحانه وتعالي هذا الزوج أَحَنّ عليك من ولدك الذي
من صُلبَك يقف معك وقت الشِدة.
( تعجيل المهر وتأجيله )
يجوز تعجيل المهر وتأجيله ، أو تعجيل البعض وتأجيل البعض الآخرحسب عادات الناس وعُرفهُم .
ويُستحب تعجيل جُزءٍ منه ، لِمَا روي ابن عباس رضي الله عنهما : ( أنّ النبي صلي الله عليه وسلم منع عَليّاً أن
يدخل بفاطمة حتي يُعطيهَا شيئاً . فقال : ماعِندي شئُ ، فقال: فأينَ دِرعَك الحُطميّةُ ؟ فأعطاها إيَاهَا )
رواه أبوداود ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، وروي أبوداود وابن ماجة عن عائشة قالت :
( أمرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أُدخِل امرأة علي زوجها قبل أن يُعطيها شيئاً ) .
فهذا الحديث يدُل علي أنه يجوز دخول المرأة قبل أن يُقدَم لها شيئاً من المهر ، وحديث ابن عباس يدل
علي أن المنع كان علي سبيل النَدب ، قال الأوزاعي Sad كانوا يستحسنون ألا يدخل عليها حتي يُقدِم لها شيئاً )
وقال الزُهَري : ( بلغنا في السُنة ألا يُدخل بامرأة حتي يقدم لها نفقة ، أو يكسو كِسوة ، ذلك مما عمل به المسلمون ) .
وللزوج أن يدخل علي زوجته ، وعليها أن تُسَلِم نفسها إليه ، ولاتمتتنع ولو لم يُعطها ما اشترط تعجيله لها من المهر ،
وإن كان يُحكم لها به .