شروط صحة الــــــــزواج
شروط صحة الزواج هي الشروط التي تتوقف عليها صحته ، بحيث إذا وُجِدَت يعنبر عقد الزواج موجوداً شَرعاً ،
وتثبُت له جميع الأحكام والحقوق المُترتبة عليه . وهذه الشروط إثنان :
الشــــــــــرط الأول : حِل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الإقتران بها . فيشترط ألا تكون مُحرّمة عليه بأي سبب
من أسباب التحريم المؤقت أو المؤبد, وسيأتي ذلك مُفَصلاً في بحث " المُحرَماتِ مِن النِساء " .
الشـــــــرط الثاني : الإشهاد علي الزواج . وهو ينحصر في الآتي :
1- حُكم الإشهــــــــــاد . 2- شـــــــــروط الشهـــــــود . 3- شهـــــــــــادة النســـــــــاء .
1- حكم الإشهاد علي الزواج :
ذهب جمهور العلماء إلي أن الزواج لاينعقد إلاببينةٍ ، ولا ينعقد حتي يكون الشهود
حضوراً حالة العقد ولو حصل إعلان عنه بوسيلة أُخري . وإذا شَهِدَ الشهود وأوصاهم المُتعاقِدَان بكتمان العقد
وعدم إذاعته كان العقد صحيحاً واستدلوا علي صحته بما يأتي :
أولاً : عن بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
( البغايا اللاتي يُنكِحنَ أنفُسَهُنَ بغيرِ بينة ) رواه الترمذي .
ثانياً: وعن عائشة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ( لاَنِكَاح إلاَ بوَلّي وشَاهديِ عدل ) رواه الدارقطني .
وهذا النفي يتوجه إلي الصحة ، وذلك يستلزِم أن يكون الإشهاد شَرطاً ، لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة
وما كان كذلك فهو شرط .
ثالثا : وعن أبي الزُبير المكي أن عمر بن الخطاب أُتِيَ بنكاح لم يشهد عليه إلاَ رجلاً واحداً وامرأة فقال
( هذا نِكاحُ السِر ، ولاَ أُجيزُه ، ولو كُنتُ تقدمتُ فيهِ لرجَمتُ) رواه مالك في الموطأ والأحاديث وإن كانت ضعيفة
إلا أنه يُقوي بعضها بعضاً . قال الترمذي : والعملُ علي هذا عِندَ أهل العلم من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم ، قالوا : " لاَ نِكَاحَ إِلاَ بشهود " لم يختلف في ذلِك من مضي منهم إلا قومُ من المُتأخرين من أهل العلم .
رابعاً : ولأنه يتعلق به حقُ المُتعَاقدين ، وهو الولد ، فاشترطت الشهادة فيه ، لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه.
ويري بعضُ أهل العلم أنه يصح بغير شهود ، منهم الشيعة ، وعبدالرحمن بن مهدي ، ويزيد بن هارون ،
وابن المُنذِر وداود ، وفعله ابن عمر ، وابن الزُبير ، وروي عن الحسن بن علي أنه تزوج بغير شهادة ، ثم أعلن النِكَاح .
قال بن المُنذِر : لايثبُت في الشاهدين في النِكَاح خبرُ . وقال يزيد بن هارون : أمر الله تعالي في الإشهاد في البيع
دون النِكَاح ، فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنِكَاح ولم يشترطوها للبيع . وإذا تم العقد فأسرّوه وتواصّوا بِكِتمَانه
صحَ مع الكراهة لمخالفته الأمر بالإعلان ، وإليه ذهب الشافعي ، وأبو حنيفة ، وابن المُنذِر . وممن كرِه ذلك :
عمر ، وعُروة ، والشعبي، ونافع . وعند مالك أن العقد يُفسَخ . روي ابن وهب عن مالِكٍ في الرجل يتزوج المرأة
بشهادة رجلين ويستكتمهُمَا ؟ قال : يُفَرّقُ بينهُمَا بتطليقه ، ولاَ يجوز النِكاح ، ولهَا صدَاقهَا إن أصَابها ، ولاَ يُعاقب الشَاهِدان .
2- ما يُشتَـــــــــرَط في الشهـــــــــود :
يُشتَرَط في الشهود ، العقل ، والبلوغ ،وسماع كلام المُتعاقدين مع فهم أن المقصود به عقد الزواج
( وإذا كان الشهود عِميانَاً يُشتَرَط فيهم تيقُن الصوت ومعرفة صوت المُتعاقدين علي وجه لايشُك فيهما )
فلو شَهِدَ علي العقد صبيُ أو مجنون أو أصم أو سكران ، فإن الزواج لاَيصح ، إذ أن وجود هؤلاَء كعدمِه .
إشتـــــــــــــراط العدالة في الشهود :
وأمَا إشتراط العدالة في الشهود ، فذهب الأحناف إلي أن العدالة لاتُشتَرَط ، وأن الزواج ينعقِد بشهادة الفاسِقِين ،
وكل من يصلُح أن يكون ولياً في زواج يصلُح أن يكون شاهِدَاً فيه . ثم إن المقصود من الشهادة الإعلان .
والشافعية قالوا : لاَبد من أن يكون الشهود عدولا ً للحديث المُتقدم : " لاَنِكَاح إلا بولي وشاهدي عدل " ،
وعندهم أنه إذا عُقِدَ الزوَاج بشهادة مجهولي الحال ففيه وجهان . والمذهب أنه يصح ، لأن الزواج يكون
في القري والبادية وبين عامة الناس ممن لايعرف حقيقة العدالة من حيثُ الظاهِر ألاَ يكون ظاهِر الفِسق ، وقد تحقق ذلك .
3- شهـــــــــــــادة النســـــــــاء :
والشافعية والحنابلة يشترطون في الشهود الذكورة ، فإن عقد الزواج بشهادة رجُل وامرأتين لاَ يصح ،
لِمَا رواه أبو عُبيد عن الزُهري أنه قال : ( مَضَت السُنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أن لاَيجوز شهادة النساء في الحدود ،
ولا في النِكاح ، ولا في الطلاق )ولأن عقد الزواج عقد ليس بمال ، ولا المقصود منه المال ، ويحضره الرجال غالباً ،
فلا يثبت بشهادتين كالحدود . والأحناف لايشترطون هذا الشرط ، ويرون أن شهادة رجلين أو رجل وأمرأتين كافية ،
لقول الله تعالي ( واستَشهِدوُا شَهِيديِن مِن رِجَالِكُم فَإِن لَم يَكُونَا رَجُليِن فَرَجُلُ وامرَأَتَان مِمّن تَرضَونَ مِنَ الشُهَدَاء ) البقرة 282 .
ولأنه مثل البيع في أنه عقد معاوضة فَيُعقَد بشهادتين مع الرجال .
إشتــــــــــــــراط الحـــــــــرية :
ويشترط أبو حنيفة والشافعي أن يكون الشهود أحراراً . وأحمد لايشترط الحرية ، ويري أن شهادة العبدين ينعقد بها الزواج ،
كما تُقبل في سائر الحقوق ، وأنه ليس فيه نص من كتاب ولا سُنة يرُد شهادة العبد ويمنع من قبولها مادام أميناً صادقاً تقياً .
إشتـــــــــــراط الإسلام :
والفقهاء لم يشترطوا الإسلام في الشهود إذا كان العقد بين مسلم ومسلمة .
واختلفوا في شهادة غير المسلم فيما إذا كان الزوج وحده مسلماً . فعند أحمد والشافعي ومحمد بن الحسن أن الزواج لاينعقد
لأنه زواج مسلم ، لاتُقبَل فيه شهادة غير المسلم . وأجاز أبو حنيفة ، وأبو يوسف شهادة كتابيين إذا تزوج مسلم من كتابية .
وأُخذ بهذا المشروع قانون الأحوال الشخصية .
عقـــــــــــــد الزواج شكـلي :
عقد الزواج يتم بتحقُق أركانه ، وشرائِط إنعقاده إلا أنه لاتترتب عليه آثاره الشرعية إلا بشهادة الشهود ،
وحضور الشهود خارِج عن رِضَا الطرفين ، فهو من هذه الوِجهه عقدُ شكلي ، وهو يُخالِف العقد الرِضَائي الذي يكفي
في إنعقاده إقتران القَبول بالإيجاب ويكون الرضا بين المتعاقدين وحده مُنشئاً للعقد ومكونا له كعقد الإِجارة
ونحوه فهو في هذه الحالة تترتب عليه أحكامه ويُظِله القانون بحمايته دون الإحتياج لشئ .