من أصبح مفطراً ثم علم أن اليوم عاشوراء ، فماذا يفعل؟
السؤال:
إذا كان يوم العاشوراء , وأكل أحدنا، وعرف بعد ذلك أن اليوم يوم العاشوراء ، هل يجوز
له أن يصوم بقية يومه بناء على هذه الأحاديث: • نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ : " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلا يَأْكُلَ بَقِيَّةَ
يَوْمِهِ". • "أمنكم أحد طعم اليوم ؟ قال : فقلنا منا من طعم ومنا من لم يطعم . قال : فقال :
أتموا بقية يومكم ، من كان طعم ومن لم يطعم ، وأرسلوا إلى أهل العروض ليتموا بقية
يومهم". • "ليصوموا يوم عاشوراء ، فمن وجدت منهم قد أكل من صدر يومه فليصم
آخره".
الجواب :
الحمد لله :
يجوز لمن أراد الصوم تطوعاً أن ينويه أثناء النهار ، بخلاف صوم الفرض الذي تشترط له
النية من الليل .
" وشرط صحة صوم النفل بنية من النهار : أن لا يوجد قبل النية مناف للصيام ، من أكل
وشرب ونحوهما ، فإن فعل قبل النية ما يفطره ؛ لم يصح بغير خلاف ".
انتهى من "الملخص الفقهي" (1/393).
قال ابن قدامة المقدسي : " إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ طَعِمَ قَبْلَ النِّيَّةِ ، وَلَا
فَعَلَ مَا يُفْطِرُهُ ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، لَمْ يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ".
انتهى من"المغني" (3/ 115)
وأما الأحاديث التي وردت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم للناس بإكمال صوم
عاشوراء ، سواء منهم من أكل أول النهار ومن لم يأكل ؛ فوجهها أن صوم عاشوراء كان
في ذلك الوقت فرضاً لازماً عليهم .
وفي الصوم الواجب : يجب على من علم به خلال النهار أن يمسك عن الأكل والشرب من
وقت علمه به .
قال العيني عن صوم عاشوراء : " وَكَانَ صوماً وَاجِباً متعنياً " .
انتهى من "عمدة القاري" (10/304).
وقال الحافظ ابن حجر : " وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ، لِثُبُوتِ الْأَمْرِ
بِصَوْمِهِ ، ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ
بِالْإِمْسَاكِ ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ ، وَبِقَوْلِ ابن مَسْعُودٍ الثَّابِتِ
فِي مُسْلِمٍ : لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ ، بَلْ هُوَ
بَاقٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ ". انتهى من " فتح الباري" (4/247).
وقال الإمام النووي : " قَوْلُهُ : ( مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى
اللَّيْلِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ
بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ) ، مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ مَنْ كَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ
الصَّوْمَ وَلَمْ يَأْكُلْ أَوْ أَكَلَ فَلْيمسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ،
ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجِبُ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ ". انتهى من "شرح صحيح
مسلم" (8/13).
وقال الباجي : " وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ ، بِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ
بَعْدَ مُضِيِّ صَدْرٍ مِنْهُ ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ ". انتهى من " المنتقى شرح
الموطإ" (2/58).
وأما بعد أن فُرض صوم رمضان ، وصار صوم عاشوراء مستحباً ، فلا ينطبق عليه هذا
الحكم ، بل حكمه حكم سائر النوافل ، يجوز صومه بنية من النهار ، شريطة أن لا يكون قد
ارتكب قبل ذلك شيئاً من المفطرات .
سئل الشيخ ابن عثيمين عن شخص لم يتذكر يوم عاشوراء إلا أثناء النهار ، فهل يصح
إمساكه بقية يومه مع العلم بأنه أكل أول النهار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: " لو أمسك بقية يومه ، فإنه لا يصح صومه ، وذلك لأنه أكل في
أول النهار ، وصوم النفل إنما يصح من أثناء النهار فيمن لم يتناول مفطراً في أول النهار ،
أما من تناول مفطرا في أول النهار فإنه لا يصح منه نية الصوم بالإمساك بقية النهار ،
وعلى هذا فلا ينفعه إمساكه مادام قد أكل أو شرب أو أتى مفطرا في أول النهار" .
انتهى من" فتاوى نور على الدرب" (11/ 2، بترقيم الشامل
والله أعلم